كيف يوصف هيبل زيوا بالحذاء؟!

?!Is Hibil Ziwa an “Iron Shoe”

أسامة قيس مغشغش

https://www.facebook.com/sam.alsaadi.9

يقف القارئ للفصل الأربعين والواحد والأربعين من كتاب (دراشي إد ملكي) أو ما يعرف أيضاً بتعاليم يحيى (دراشي إد يهيا) عند مصطلح (انا هيبل زيوا، قـُرﭙيدا إد ﭙـَرزلا) والذي كانت ترجمته في السياق التالي:

الترجمة الألمانية: وضعت المرادف Eisenschuh ليصبح المعنى “انا هيبل زيوا، حذاء (من) حديد“.

الترجمات العربية: جاءت إحدى الترجمات بمرادف “انا هيبل زيوا هراوة من حديد“، في حين وضعت الترجمة الأخرى مرادف “انا هيبل زيوا، صندل من حديد“.

عند الرجوع إلى قاموس دراور وماتسوخ نجد أن مفردة ” قـُرﭙيدا” تُرجمت على أنها حذاء Shoe

وجدير بالذكر أن هذه المفردة لم ترد في الأدبيات المندائية إلا في الفصلين المشار لهما في كتاب دراشي إد ملكي.

ومن هذا المنطلق فقد تناقل الباحثون المعنيون نظرية أن تكون هذه المفردة من الكلمات المستعارة من لغات أخرى، خاصة وأنها ترد في السريانية وفي آرامية الجليل أيضاً والتي أشار لها باحثو تلك اللغات على أنها كلمة مستعارة.

وإستناداً إلى هذا الإستنتاج فقد عمد المعنيون لإرجاع هذه المفردة إلى الكلمة الإغريقية Krepidon أو Crepida

والتي أُشيع أنها تعني حذاء.

إن المتتبع للنص المندائي يجد أن ترجمة ” قـُرﭙيدا” بمعنى “حذاء/صندل” غريبة وغيرمنطقية للأسباب الاتية:

  1. لا يوجد مبرر لإستخدام هذا المعنى لوصف الملاك الرسول هيبل زيوا ذي المكانة الموقرة عند المندائيين، خاصة وأن مفردة الحذاء لوصف الشخص تعتبر إهانة في أعراف تلك البيئة التي نشأت فيها المندائية. بل أنه وصف لم يسبق له مثيل في النصوص المندائية، ولذلك فهو غريب على الأسلوب الأدبي الذي تتميز به تلك النصوص.
  2. توجد كلمات أخرى بمعنى “حذاء/صندل” مستخدمة بشكل أساسي في النصوص مثل “إمساني” و”سَندلي” ولكنها ترد بصيغة أداة توهب للملائكة إما للإشارة إلى دكّ عالم الظلام أو للإشارة المجازية إلى هيبة وإكتمال هيئتهم حيث أن الحفى خطيئة في عقيدة المندائيين (راجع الفصل 12 والفصل 76 من دراشي إد ملكي).
  3. ثم تقودنا حقيقة إستخدام هذه المفردة بشكل “يتيم” في نصّين متشابهين في الدراشي إلى أنها لا يمكن أن تشير إلى معنى معروف “كالحذاء”، وبالتالي فندرة إستخدامها يشير إلى خصوصية في المعنى والمفهوم. وإلا فلماذا لم تستخدم المصطلحات المندائية المتعارف عليها بمعنى “الحذاء”؟
  4. وردت كلمة ” قـُرﭙيدا” بصيغة المفرد في حين أن المتعارف عليه في الأدبيات المندائية بأن كلمة “حذاء” عادةً ما ترد بصيغة الجمع وليس المفرد كـ “إمساني” و”صندلي”.
  5. يصعب أن يكون هذا الوصف مجازاً وذلك لحداثة إستخدام حذاء الحديد، فالمصادر التاريخية تشير إلى أن أول أحذية حديدة ظهرت في القرن الرابع عشر وكانت تعرف بإسمSabaton.

وهذا يتعارض مع تاريخية كتابة النصوص وحتى بيئتها، حيث أن تلك الأحذية الحديدية لم تكن معروفة في مناطق سكن المندائيين. وحتى لو سلّمنا بأن مفردة “قربيدا” من أصل إغريفي وتعني “حذاء”، فإن ذلك النوع من الأحذية لم يكن مصنوعاً من الحديد.

قادتنا تلك الملاحظات للبحث عن أصل تلك المفردة بعد أن تقبلنا نظرية أنها كلمة مستعارة. ومن خلال البحث فقد تبين لنا أن الكلمة في الأصل لا تعني “حذاء”. فماذا تعني إذن؟

معنى الكلمة في اللغة الإغريقية:

يرد في معاجم اللغة الإغريقية بأن مفردة “كريـﭙـس” أو ” كريـﭙـيد”κρηπίς

تعني: قاعدة، ركيزة، أساس.

ويستدل على صحة هذا المعنى من خلال أبرز إستخدام لهذه المفردة كمصطلح يشير للأساس الذي تشيد عليه المعابد والذي يعرف أيضاً بإسم كريـﭙيـدوماκρηπίδωμα (أنظر صورة 1)

ويرجح أن يكون إشتقاق معنى “الحذاء” من ذات الكلمة راجع لتميز تلك الأحذية بقاعدة منبسطة وصلبة.

(صورة رقم 1)

Crepidoma

هل الكلمة إغريقية الأصل؟

يشير بعض اللغويون الذين تناولوا هذه المفردة بأنها ليست مشتقة من اللغة الإغريقية، حيث يشير الباحث الفرنسي كرستيان ﭙـييَر في كتابه (تشكيل الصيغ الإسمية في الإغريقية القديمة) إلى أنه يرجح أن تكون كلمة “كريـﭙيـد” دخيلة على الإغريقية ويستدل بذلك على وجود حرفي الياء والدال فيها.

أما الباحث الألماني أرنست فرَنكَل فقد إستبعد في كتابه (القاموس الإشتقاقي للغة اللتوانية) أن تكون الكلمة مشتقة من Kùrpe

والتي تعني حذاء في اللغة اللتوانية وهي أكثر الفروع أصالةً في عائلة اللغات الإندو ـ جرمانية.

من جانبه يشير الباحث الألماني ﭙـاول هاوبت إلى أن كلمة κρηπίς

الإغريقية مأخوذة من المفردة الأكدية البابلية “كوﭙـرو” أو “كيـﭙـير” والتي تعني (مُسنّاة/ سدّ يبنى لحجز الماء) أو (سطح الأسفلت) أو (سطح الجدران). ويعزي الباحث هاوبت إستخدام الإغريق لهذه المفردة في وصف قاعدة معابدهم لأنها تشبه إلى حد كبير سدّة الماء (إنظر صورة 2).

ufermauer

(صورة رقم 2)

لقد قادنا هذا التوجه في تحليل أصول تلك المفردة إلى البحث بشكل مفصل عن إمكانية إشتقاق كلمة “قـُرﭙيدا” من اللغة الأكدية. ومن خلال البحث لاحظنا تقارباً بين “قـُرﭙيدا” بمعنى إناء أو جرّة في آرامية الجليل وبين مفردة “كارﭙـا” أو “كارﭙـاتو” الأكدية الأقرب لفظاً لـ” قـُرﭙيدا” وأكثرها مطابقة لها في المعنى.

جاء هذا الإستنتاج برأينا كمعزز على النظريات التي طرحت حول أصل إشتقاق المفردة الإغريقية من الأكدية/البابلية أو ربما حتى تطور كلمة ” قـُرﭙيدا” في اللغات الآرامية من ذات الأصل الأكدي “كارﭙـاتو”.

” قـُرﭙيدا” كوصف لتوقير هيبل زيوا

رأينا مما سبق أن كلمة ” قـُرﭙيدا” في الأصل لا تعني”حذاء” وإنما تعني: أساس، قاعدة، ركيزة، وعاء. وبالعودة بهذه المعاني إلى موضع إستخدام تلك المفردة في نصوص كتاب دراشي إد ملكي سنجد إستقراراً في المعنى والمضمون:

(نص رقم 1 من الفصل 40 دراشي إد ملكي)

مندائي

عربي

أنا هيبل زيوا،

أنا هيبل زيوا،

أنا قـُرﭙيدا إد ﭙـرزلا،

أنا قـُرﭙيدٌ من حديد،

قـُرﭙيدا أنا إد ﭙـرزلا،

قـُرﭙيدٌ أنا من حديد،

إد هشوخا كبشيت.

أنا الذي دكّ الظلام المَريد

يتعزز هذا المفهوم أيضاً من خلال ورود كلمة ” قـُرﭙيدا” في فصل وسياق آخر:

(نص رقم 2 من الفصل 41 دراشي إد ملكي):

مندائي

عربي

أنا ﮔابرا نخرايا،

أنا الغريب عنكم،

قـُرﭙيدا أنا إد ﭙـرزلا،

أنا قـُرﭙيدٌ من حديد،

إد منيلتَي وزمارَي قُفلي وآيَاكلي لروها بيشتا

أنا الذي صارت كلماتي وترانيمي كالهراوات والسياط على الروها الشريرة.

نلاحظ أننا لو وضعنا بدل ” قـُرﭙيدا” معانٍ كـ (أساس، قاعدة، ركيزة، وعاء) سنرى كيف أن المعنى المقصود هو ليس “الحذاء” وإنما هو تعزيز بلغة المجاز لإعتقاد المندائيين بشخصية هيبل زيوا كعمادٍ للدين المندائي وهذا هو المغزى الحقيقي الإستخدام مفردة ” قـُرﭙيدا”.

فلو كانت ” قـُرﭙيدا” تعني “حذاء”، فأي حذاء هذا الذي تخرج منه “كلمات وترانيم”؟ ولماذا يتحول التصوير من حذاء إلى “هراوات وسياط” لو كان الحذاء فعلاً هو الوصف الأساس للقضاء على الروها والظلام؟

إذن فهذا ـ كما أشرنا ـ يعزز مفهوم أن مفردة “قـُرﭙيدا” تعني هنا “الأساس، الركيزة، العماد”، أي عماد شريعة النور الذي منه تخرج الكلمات والترانيم، أي تعاليم وقوة النور التي تقضي على الظلام وتدكه دكّاً.

الخلاصة:

من خلال البحث المقارن نستنتج من الطرح السابق بأن مفردة “قـُرﭙيدا” التي ترد في وصف الرسول هيبل زيوا في كتاب دراشي إد ملكي تعني “الأساس، الركيزة، العماد” ولا تعني “حذاء”.

ونرى بأن القول بإشتقاق الكلمة من الإغريقية يحتاج إلى دراسة أكثر تفصيلاً بمراعاة ما تم الوقوف عليه من إمكانية تأصيل تلك الكلمة إلى اللغة الأكدية.

المصادر:

ﮔـنزا ربّا / مصدر مندائي

دراشي إد ملكي (دراشي إد يهيا) / مصدر مندائي

Drower and R. Macuch:A Mandaic Dictionary

The Assyrian Dictionary of the Oriental Institute of the University of Chicago

Häberl: Greco-Mandaïca

Haupt: Babylonische Wörter im Griechischen

Pierre: La formation des noms en grec ancient

http://etymology_el_en.enacademic.com/3986/%CE%BA%CF%81%CE%B7%CF%80%E1%BD%B7%CF%82

تعليق واحد

  1. تعقيب: الكموج المؤدلج تابع المُستشرقين – البُحوث المَندائية التأريخيّة

أضف تعليق