مندائيات رافدينية … رهمي وإنياني

بقلم: أسامة قيس مغشغش

رهمي وإنياني مصطلحان يطلقهما المندائيون على نوعين من صلواتهم التي لم يتم الوقوف بشكل واضح على تمايزها من حيث الجانب اللغوي والمغزى الطقسي، إلا أنهما علامتان بارزتان في إحتفاظ المندائيين بإرث العراق القديم.

فالمصادر تشير إلى أن سكان العراق القديم كانوا يطلقون تسميات (ريمو) و (إنّانو/ أونَّينو) على صلواتهم بما يقابل الـ (رهمي) و (إنياني) عند المندائيين دون سواهم، إلا أن معظم الباحثين، وخاصة المستشرقين، الذين تناولوا هذا الموضوع لم يقفوا على الفرق بالمعنى والمغزى ما جعلهم يعتقدون أنها مجرد مرادفات لمسمى الصلاة.

ولأن المندائيون يمثلون الإرث الحي لتلك الثقافة العراقية القديمة، فإننا يمكننا اليوم من خلال الرجوع للممارسات الطقسية والأدبيات المندائية الحية تبيين الفرق بين هذين النوعين من المصطلحات ومغزاهما الديني.

رَهْمي (ريمو): الكلمة تعني الرحمة وهي مصطلح عام يشمل ما يعرف بالدعاء/ الرجاء ويسمى بالمندائية (بوثا). مصطلح الرهمي عادة ما يقترن بالرجاء “بوثا” وفعل “بآا”. والظاهر من الإشارات الأدبية والممارسات الطقسية أن هذا النوع من الصلوات يقام لرفع رجاءات الرحمة أو الإسترحام من الأرض إلى الأعالي.

إنياني (إنّانو/ أونَّينو): يرجع القاموس المندائي هذه المفردة إلى جذر “إنا” بمعنى: أجاب، ردّ. أما القاموس الأكدي فيشير إلى أن الكلمة ربما مشتقة من معنى “يتلقى؛ يستقبل؛ يستلم”، وربما بني عليه جذر “إنا” في المندائية فتحول الى مفهوم “الاستجابة”.

بناءً على معنى (الجواب، الرد) تشير الليدي دراور إلى إعتقادها بأن هذه الصلوات ربما كانت تؤدى بما نعرفه اليوم موسيقياً بالكورال، أي أن شخصاً أو فريقاً ينشد جزءاً معينا فيرد عليه شخص أو فريق آخر نفس المقطع أو مقطعاً آخر.

ولم يثبت في التراث المندائي المحافِظ مثل تلك الممارسات بقدر ما يثبت وجوب أداء الإنياني من قبل الشخص نفسه، وذلك ما نقف

عليه في الهوامش المثبتة من قبل الناسخين عند نهاية كل صلاة.

يقف المتتبع للأدبيات المندائية على تلازم فعل (رما: رمى، ألقى، وضع) لمفردة “إنياني” وبالتالي فالإنياني بعكس الرهمي لا يُرفع وإنما يُلقى. الفكرة تكمن في أن الإنياني هي مجموعة صلوات تستحضر الطاقة الروحية والتأثير النوراني في الطقوس الدينية، وبالتالي فطابعها الغالب هو التبرك والتعزيم وطلب الخلاص للنفس من العالم المادي.

تحتوي الإنياني بشكل عام على إستلهامات من ملاحم الخليقة والبعث مما يعزز ترابط العقيدة بالطقوس ويكسبها طابعها الروحي العرفاني.

لهذا السبب فمهوم الإنياني هو صلوات تُلقى بها البركات ويستلهم (يُستقبل) بها العزم الروحي العرفاني من الأعالي إلى الأرض.

ما يثير الاهتمام هو أن السومريون كانوا يضعون كلمة “إين” أمام صلوات طقسية يطلبون بها الحفظ والعزم، وهو ما يقارب الاستخدام المندائي لكلمة إنياني التي تطلق على صلواتهم الطقسية كمثل الصباغة والمسقثا.

رهمي وانياني

هكذا يحتفظ المندائيون إلى اليوم بالتراث العراقي القديم في طقوسهم ولغتهم ووجودهم ويكونوا بذلك الورثة الأحياء لهذه الحضارة العريقة.

انينو اكدي صورة

المصادر:

كتاب ﮔنزا ربا، مصدر مندائي

كتاب القلستا، مصدر مندائي

Mandaic Dictionary, Drower & Macuch

A Concise Dictionary of Akkadian

Babylonian Prayers to Marduk, Takayoshi Oshima